سورة السجدة - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (23) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ} أي فلا تكن يا محمد في شك من لقاء موسى، قاله ابن عباس. وقد لقيه ليلة الاسراء. قتادة: المعنى فلا تكن في شك من أنك لقيته ليلة الاسراء. والمعنى واحد.
وقيل: فلا تكن في شك من لقاء موسى في القيامة، وستلقاه فيها.
وقيل: فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب بالقبول، قاله مجاهد والزجاج. وعن الحسن أنه قال في معناه: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} فأوذي وكذب، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى، فالهاء عائدة على محذوف، والمعنى من لقاء ما لاقى. النحاس: وهذا قول غريب، إلا أنه من رواية عمرو ابن عبيد. وقيل في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم فلا تكن في مرية من لقائه، فجاء معترضا بين {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} وبين {وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ}. والضمير في {وَجَعَلْناهُ} فيه وجهان: أحدهما: جعلنا موسى، قاله قتادة.
الثاني- جعلنا الكتاب، قاله الحسن. {وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} أي قادة وقدوة يقتدى بهم في دينهم. والكوفيون يقرءون {أَئِمَّةً} النحاس: وهو لحن عند جميع النحويين، لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة، وهو من دقيق النحو. وشرحه: أن الأصل {أأممة} لم ألقيت حركة الميم على الهمزة وأدغمت الميم، وخففت الهمزة الثانية لئلا يجتمع همزتان، والجمع بين همزتين في حرفين بعيد، فأما في حرف واحد فلا يجوز إلا تخفيف الثانية نحو قولك: آدم وآخر. ويقال: هذا أوم من هذا وأيم، بالواو والياء. وقد مضى هذا في براءة والله تعالى أعلم. {يَهْدُونَ بِأَمْرِنا} أي يدعون الخلق إلى طاعتنا. {بِأَمْرِنا} أي أمرناهم بذلك.
وقيل: {بِأَمْرِنا} أي لأمرنا، أي يهدون الناس لديننا. ثم قيل: المراد الأنبياء عليهم السلام، قاله قتادة.
وقيل: المراد الفقهاء والعلماء. {لَمَّا صَبَرُوا} قراءة العامة {لَمَّا} بفتح اللام وتشديد الميم وفتحها، أي حين صبروا. وقرأ يحيى وحمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب: {لما صبروا} أي لصبرهم جعلناهم أئمة. واختاره أبو عبيد اعتبارا بقراءة ابن مسعود {بما صبروا} بالباء. وهذا الصبر صبر على الدين وعلى البلاء.
وقيل: صبروا عن الدنيا. {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} أي يقضي ويحكم بين المؤمنين والكفار، فيجازي كلا بما يستحق.
وقيل: يقضي بين الأنبياء وبين قومهم، حكاه النقاش.


{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26)}
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وقتادة وأبو زيد عن يعقوب {نهد لهم} بالنون، فهذه قراءة بينة. النحاس: وبالياء فيها إشكال، لأنه يقال: الفعل لا يخلو من فاعل، فأين الفاعل ل {يهد}؟ فتكلم النحويون في هذا، فقال الفراء: {كَمْ} في موضع رفع بـ {يَهْدِ} وهذا نقض لأصول النحويين في قولهم: إن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ولا في {كَمْ} بوجه، أعني ما قبلها. ومذهب أبي العباس أن {يَهْدِ} يدل على الهدى، والمعنى أو لم يهد لهم الهدى.
وقيل: المعنى أو لم يهد الله لهم، فيكون معنى الياء والنون واحدا، أي أو لم نبين لهم إهلاكنا القرون الكافرة من قبلهم.
وقال الزجاج: {كَمْ} هي موضع نصب بـ {أَهْلَكْنا}. {يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ} يحتمل الضمير في {يَمْشُونَ} أن يعود على الماشين في مساكن المهلكين، أي وهؤلاء يمشون ولا يعتبرون. ويحتمل أن يعود على المهلكين فيكون حالا، والمعنى: أهلكناهم ماشين في مساكنهم. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ} آيات الله وعظاته فيتعظون.


{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27)}
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} أي أو لم يعلموا كمال قدرتنا بسوقنا الماء إلى الأرض اليابسة التي لا نبات فيها لنحييها. الزمخشري: الجرز الأرض التي جرز نباتها، أي قطع، إما لعدم الماء وإما لأنه رعي وأزيل. ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ جرز، ويدل عليه قوله تعالى: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً} قال ابن عباس: هي أرض باليمن.
وقال مجاهد: هي أبين.
وقال عكرمة: هي الأرض الظمأى.
وقال الضحاك: هي الأرض الميتة العطشى.
وقال الفراء: هي الأرض التي لا نبات فيها.
وقال الأصمعي: هي الأرض التي لا تنبت شيئا.
وقال محمد بن يزيد: يبعد أن تكون لأرض بعينها لدخول الالف واللام، إلا أنه يجوز على قول من قال: العباس والضحاك. والاسناد عن ابن عباس صحيح لا مطعن فيه. وهذا إنما هو نعت والنعت للمعرفة يكون بالألف واللام، وهو مشتق من قولهم: رجل جروز إذا كان لا يبقي شيء شيئا إلا أكله. قال الراجز:
خب جروز وإذا جاع بكى *** ويأكل التمر ولا يلقي النوى
وكذلك ناقة جروز: إذا كانت تأكل كل شيء تجده. وسيف جراز: أي قاطع ماض. وجرزت الجراد الزرع: إذا استأصلته بالأكل.
وحكى الفراء وغيره أنه يقال: أرض جرز وجرز وجرز وجرز. وكذلك بخل ورغب ورهب، في الاربعة أربع لغات. وقد روي أن هذه الأرض لا أنهار فيها، وهي بعيدة من البحر، وإنما يأتيها في كل عام ودان فيزرعون ثلاث مرات في كل عام. وعن مجاهد أيضا: أنها أرض النيل. {فَنُخْرِجُ بِهِ} أي بالماء. {زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ} من الكلا والحشيش. {وَأَنْفُسُهُمْ} من الحب والخضر والفواكه. {أَفَلا يُبْصِرُونَ} هذا فيعلمون أنا نقدر على إعادتهم. و{فَنُخْرِجُ} يكون معطوفا على {نَسُوقُ} أو منقطعا مما قبله. {تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ} في موضع نصب على النعت.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8